لقد
ذكر الله القلب في القرآن في أكثر من خمسين موضعاً، وأخبرنا بأن القلب
يفكر ويعقل بل ويحدد مصير صاحبه كما أخبر بذلك سيدنا محمد صلى الله عليه
وآله وسلم. لنستعرض هذه الآيات الكريمات عن القلب:
- يقول تعالى: (وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ "لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا"
وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آَذَانٌ لَا
يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ
هُمُ الْغَافِلُونَ) [الأعراف: 179]. إن هذه الآية تدل على أن القلب يفقه ويفكر ويعقل.
- يقول تعالى: (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ "لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا" أَوْ آَذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ)
[الحج: 46]. وهذه الآية تؤكد أن القلب يعقل ويفكر، ولذلك لابد من وجود
خلايا مسؤولة عن ذلك، وربما تكون الأربعين ألف خلية عصبية المكتشفة مؤخراً
لها دور في هذه المهمة.
يقول تعالى: (وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ "وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ" وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا)
[الأحزاب: 5]. وهنا نرى بأن القلب له دور آخر في اتخاذ القرار! مع العلم
أن العلماء أثبتوا أن مركز اتخاذ القرار في منطقة الناصية، ولكن ربما يكون
القلب هو المحرك للناصية والمشرف على عملها والموجّه لها، والله أعلم.
- يقول عز وجل: (وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَلِيمًا)
[الأحزاب: 51]. إن هذه الآية تدل على أن القلب له دور آخر أيضاً وهو تخزين
المعلومات، ليس الدماغ وحده الذي يقوم بالتخزين، ولكن القلب أيضاً فيه
مستودع للمعلومات. وهذا لم يكتشفه العلماء بعد، ولو أنهم بحثوا لرأوا أن
القلب يخزن المعلومات.
- القلب يتأثر وينفعل ويتجاوب مع المعلومات القادمة إليه، ولذلك فإن قلب المؤمن يختلف كلياً عن قلب الكافر، يقول عز وجل: (أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ)
[الزمر: 22]. وسبحان الله! كيف يقسو القلب من ذكر الله؟ إن قلب الملحد لا
يتأثر بكلام الله، ليس هذا فحسب بل "يشمئز" عندما يسمع القرآن!
يقول تعالى: (وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ "اشْمَأَزَّتْ قُلُوب" الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ)
[الزمر: 46]. والسؤال: كيف يمكن للقلب أن يشمئز؟ إن قلب الملحد اختزن
معلومات الإلحاد وتفاعل معها وتأثر بها، ولم يعد يستجد إلا لها. ولذلك
عندما يسمع كلام الله تعالى، يضطرب وينقبض!
بينما نجد أن قلب المؤمن يطمئن و"يلين" ويستقرّ في عمله ويهدأ لسماع كلام خالقه سبحانه وتعالى وهو القائل: (اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ) [الزمر: 23].